حنا إبراهيم.. "موسى الفلسطيني" ابن الجيل الطليعي الذي تشبّث بالبقاء
حنا إبراهيم.. "موسى الفلسطيني" ابن الجيل الطليعي الذي تشبّث بالبقاء
زياد شليوط
غيّب الموت الأسبوع الماضي الشاعر والكاتب الفلسطيني، المناضل والمكافح حنا ابراهيم، في قرية البعنة الجليلية عن عمر ناهز 93 عاما، قضى راحلنا جلّها في ساحات النضال وميادين الكفاح الوطني، لم يطلب شكرا أو ثناء وتوصل بعد تجربة طويلة ومسيرة شاقة الى "أن يحلّ توازن فلا يموت الذئب ولا يفنى الغنم"(1) توفي حنا ابراهيم في زمن جائحة الكورونا، وهذا الأمر منع من أبناء شعبه وأصدقائه وأحبائه من وداعه بالشكل الذي يليق به والمحبة الواسعة التي يحظى بها.
تعرفت إلى اسم حنا إبراهيم، في شبابي المبكر من خلال الصحافة الشيوعية، حيث قرأت له القصص والقصائد في صحيفة "الاتحاد" ومجلة "الجديد" خاصة، ولا زلت أذكر مجموعته القصصية الأولى بعنوان "أزهار برية" والاحتفاء بها. وعرف حنا إبراهيم باستقامته وتواضعه وتفانيه في سبيل مبادئه الإنسانية والسياسية التي اعتنقها عن قناعة وايمان، وهكذا أمضى حياته حتى الشوط الأخير. وهو من "الجيل الطليعي الذي تشبّث بالبقاء"، كما نعته في قصيدة رثاء لأحد أترابه، لكني لا أهدف من هذه المقالة الى رثاء الراحل، بل الوقوف على أحد أعماله الأدبية، فهذا ما يبقى لنا من الكاتب الراحل وللأجيال القادمة.
** رواية "موسى الفلسطيني" تحكي قصة المأساة الفلسطينية وتداعياتها **
قبل عدة سنوات عثرت في مكتبتي على رواية "موسى الفلسطيني" للكاتب حنا إبراهيم، وكان قد أهداها لرابطة الجامعيين في شفاعمرو التي كنت سكرتيرها، فقرأت الرواية التي تحكي قصة المأساة الفلسطينية من خلال شخصية موسى، الذي ولد خارج قريته لوالد ثائر شارك في الثورة الفلسطينية الكبرى في سنوات الثلاثين من القرن العشرين. تبدأ الرواية عند عوض (والد موسى) في القرية منذ أيام الطفولة، حيث يبدع الكاتب في وصف أجواء القرية البدائية والعلاقات الاجتماعية وأصلها والصراع بين العائلات الكبيرة على زعامة القرية، ويلج الكاتب الى تفاصيل تلك العلاقات والتوتر الذي تحدثه القصص الاجتماعية والعلاقات الجنسية في مركزها، منتقلا بشكل سلس الى القضية السياسية بدءا بالاستيطان الصهيوني وسلب الأرض العربية، وقصة الأسلحة المغشوشة الممنوحة للثائرين الفلسطينيين، والفروق بين المخلصين للثورة وبين الانتهازين المستفيدين منها بشكل غير مشروع.
ومن ضمن المواضيع التي يعرج عليها الكاتب، موضوع العلاقات المتينة بين أبناء الشعب الواحد من مسلمين ومسيحيين، خاصة في فترة الثورة حيث يلتحم عوض وغسان معا ويقعان في الأسر معا، لكنهما لا يضعفان ويرفضان التعاون مع المحتل الغريب الذي يصدر عليهما حكما بالاعدام. ويعود غسان الابن ليلتقي مع موسى (ابن عوض) عند محاولة موسى العودة للبلاد بعد اتفاقيات أوسلو، ويمنع من الدخول فيصطحبه الى منزله في عمان.
وتحتل قضية العلاقات اليهودية –العربية، مساحة محترمة في الرواية، خاصة وأن الكاتب آمن بالأخوة العربية – اليهودية، كعضو وناشط في صفوف الحزب الشيوعي الاسرائيلي، وكي يؤكد ذلك فانه منح الشخصية العربية اسم موسى وصديقه اليهودي اسم "موشيه مزراحي، ومن المعروف أن الاسمين هما نفس الاسم تعودان للنبي موسى (عليه السلام). صداقة موسى وموشيه تنشأ وتنمو في شركة تكرير البترول في حيفا التي عملا فيها سوية، حيث يحمي موسى موشيه أثناء المعارك الداخلية بين العرب واليهود عشية النكبة، وبعد النكبة لا ينجح الاثنان في اللقاء حيث أراد موشيه أن يرد الجميل لموسى، ولا يلتقيان إلا في نهاية الرواية حيث تشفع شهادة موشيه لموسى.
مما يؤسف له أن الرواية لم تأخذ عناية كافية وصحيحة من حيث المراجعة اللغوية، حيث كثرت فيها الأخطاء اللغوية والمطبعية وهذا الأمر لا يليق بشاعر كبير ومعروف مثل حنا إبراهيم الذي عرف عنه محبته للغة واهتمامه بها واتقانها.
من المعرووف أن الكاتب حنا إبراهيم نشأ في بيئة قروية شعبية، وهذا انعكس في روايته وفي سائر كتاباته الأدبية، وهو كثيرا ما يتكيء على الموروث الشعبي في كتاباته، وقد ظهر ذلك في روايته حيث ضمّنها الشعر الشعبي الذي انتشر في المجتمع الفلسطيني في تلك المرحلة، ومنها على سبيل المثال:
يا ريح بلادنا شمالي وقبلي شفت اللي ابتلى بالحزن قبلي
كنت أبعث معك خمسين قبلة لمين أبعث وما عندي أحباب
وكذلك:
يا بشرب من راس العين يا بخلي حالي عطشان
ويا باخد واحدة مليحة ويا بحلف على النسوان
كذلك ضمّن روايته الامثال الشعبية بشكل واضح وفي عدة مواقع، منها على سبيل المثال وليس الحصر: "نام يا جاري بخير حتى أنام مثلك بخير"، "أصحاب الهم أخبر فيه، وان الذي يحضر على عنزته تجيب توم". الى جانب ذلك استخدم الكاتب اللغة العامية وخاصة في الحوار بين الشخصيات، وربما جاء ذلك لاضفاء صفة الصدق على تلك الشخصيات القروية التي لم تنل نصيبا من التعليم والثقافة، وكان الحديث يدور باللغة العامية وهذا ما حافظ عليه الكاتب بأمانة، ومثالا على ذلك:
"بدنا ندبك.. وما في دقيق غيرك.. يعني واللي في بالك؟"، "يعني معقول أرجع مفشلّة؟ يلّا قوم، رجلي على رجلك. بتجيب الأرغول أو ادوّر عليه أنا".
(شفاعمرو/ الجليل)
إشارات:
- من كلمة الايضاح لمجموعته الشعرية "صرخة في واد" الصادرة عام 2007
- حنا إبراهيم – موسى الفلسطيني، رواية، دار المشرق، شفاعمرو، 1998
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع الملتقى بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير نأمل ان تعجبكم
تعليقات